اخسأوا فإنهُ محمد.

واحدة، اثنتان، ثلاث، أربع، خمس،
إنها صحفٌ كثيرة، لا أدرِي ماذا يُريدُ بِها أخِي جمال،
ولكنْ، ما شأنِي أنا بكثرتِها أو قلَّتِها، سآخُذُها إليهِ ولْيقرأها كَما يشاء،
الغريبُ أنَّ هذه الصُّحُفَ كلُّها غَربيَّة، فلماذا طلبَها جمال؟ إنهُ لأمرٌ مُحيِّرٌ حقّاً،
أَخذتُ أمشِي حتى وصلتُ إليهِ، فأعطَيتُهُ الصُحُفَ ثم سألتُه:
ماذا تُريدُ بكل هذه الصُّحُفِ يا أخي؟
قال لي و الشرر يتطايَرُ من عينَيه: إن الأمرَ خطيرٌ جدّاً يا ياسر،
فهذه الصُّحُفُ الغربيَّةُ قد نَشرَت صُوَراً مُهينةً في رسولِ الله صلى الله عليهِ وسلَّم، وأُريدُ منكَ الآنَ أنْ تصِفَ لي بعضَها،
قُلتُ: حسناً يا أخِي، هَدِّئ من رَوعِكَ، واسمَع إذَن بكل إصغاءٍ وهدوءٍ:
ثم إني أَخذتُ أستَعرِضُها، وفُوجئتُ واقشعرَّ بَدَنِي يا أَحِبتِي لِهَولِ ما رأيتُ، حتى سمعتُ أخي جمال، يصرُخُ بي قائلاً:
هيا يا ياسر، صِف لي ما ترَى بسرعةٍ،
قلتُ: حاضر حاضر يا أخِي:
الصورةُ الأُولَى:
رجلٌ صحراويٌّ يلبسُ عِمامةً ويَحملُ في يديهِ قنبلةً، وكأنّهُ ينتضِرُ الفرصةَ ليُفجَّرَها.
الصورةُ الثانية:
شيخٌ كبيرٌ ملتحٍ، يُمسكُ بخِنجَرٍ ويَستعدُّ أنْ يَطْعَنَ به امرأتينِ واقفتينِ بالقُربِ منه.
الصورةُ الثالثة:
رسامٌ يرسمُ وجهَ شخصٍ ملتحٍ يرتدي كُوفِيَّةً وعقالاً، ومكتوبٌ علَى الرسمةِ كلمةَ [محمد]
ويضّعُ يدَه على الصورةِ ليخفيها عن الناسِ مِنْ حَولِه، ، وهو خائفٌ جدّاً، لدرجةِ أن العَرَقَ يَتصبَّبُ مِنْ جَبِينِه.
الصورةُ الرابعة:
رجلٌ ملتحٍ يلبَسُ عِمامةً وَيَقِفُ علَى الغَيمِ، وأمامُهُ طابورٌ من الرجال،
وهو يصرُخُ بهم ويُناديهم: توقَّفُوا فقد نَفِدَت العَذْراواتِ.
الصورةُ الخامسة:
رجلٌ مُشَوَّهُ اللِحية، يُحيطُ برأسِهِ هِلالٌ أخضر، والنجمةُ الخضراءُ تُغطّي إحدَى عَينَيه.
هُنا قال جمال: تَوقَّفْ يا ياسر ولا تُكمِلْ بقيَّةَ الصُّوَرِ، فالمسألةُ قدْ أصبحَت واضِحةً جليَّةً،
يالَهُم مِنْ لُؤَماء، يالَهُم من أنجاسٍ حُقَراء، الويلُ والخِزيُ والعارُ لهم عَلَى مرِّ الزَّمان،
مَنْ هُم هؤلاءِ الأخِسّاءُ حتَى يتجرَأوا علَى خيرِ البريّة؟ ما هو تاريخُهُم؟ ما هي حضارتُهُم؟ ما هي ثقافتُهُم؟
قلتُ: ألم يجدُوا غيرَ أطهرِ البشرِ لِينالوا منه؟
قال: لا تستغرِبْ يا ياسر، لأن الحقدَ علَى الإسلامِ والمسلمينَ في قلوبِهِم مُنذُ القِدَم، ورسولُ اللهِ بالنسبةِ لهُم هو أفضلُ شخصيّةٍ يُمكِنُ النيلَ منها ليقهروا به المسلمين،
فهم يعرفون حُبَّنا الشديدَ لهُ وغِيرتَنا عليه.
ولكنْ دعني أُخاطِبُ مكارِمَ الأخلاقِ التي اتّصفَ بها حبيبُنا وسيِّدُنا: محمد الأبيُّ العظيمُ القائِدُ المغوارُ:
الذي لم تَشهَدِ البشريَّةُ خيراً منهُ علَى مدَى القرونِ والدُّهور،
هيا يا مكارِمِ الأخلاقِ العظيمة، اشهَدُوا بما تُملِيهِ عليكم ضمائِرُكُم في محمد بن عبد الله بكل إنصافٍ وتجَرُّدٍ:
قالت الحكمة:
انا أَشهدُ بأنَّ قريشاً اختلفوا يوماً علَى مَن يضَعِ الحجَرِ الأسودَ في مكانِهِ، وكادت قبائِلُها المُختلفةُ انْ تقتَتِلَ فيم بينَها، حتَى اتّفَقوا في النهايةِ أنْ يُحكِّمُوا بينَهُم أوّلَ مَن يدخُلُ عليهِم مِن بابِ شَيبة،
فلمّا دخلَ محمّدٌ صرخوا جميعاً: الصادِقُ الأمين، الصادِقُ الأمين، رَضِينا بحكمه، رَضِينا بحكمه،
فحكَمَ بينَهُم محمدٌ بأنْ يأتُوا بثَوْبٍ ليضعَ الحجرَ الأسودَ في وسطِهِ، ثم أمرَ كل قَبِيلةٍ أنْ تُرشِّحَ رجلاً يُمثِّلُها،
وَأَمرَ كلَّ مُرشَّحٍ أنْ يُمْسكَ بطَرَفٍ من الثَوبِ، ثم حملوهُ دُفعةً واحدةً حتَى رَفَعُوهُ قريباً من مكانِهِ،
وبعدَها أخذَ محمدٌ الحجرَ وَوَضَعَهُ في مكانِه، وبذلكَ أنقذَ قريشاً من فتنةٍ كادَت أنْ تُفنِيَهُم.
قالت الشَّجاعة:
أنا أشهدُ أن محمداً قد خاضَ عشراتِ الغزواتِ والسرايا، ولم يفرْ في أيِّ واحدةٍ مُطلَقاً،
بل كانَ أصحابُهُ إذا حَمِيَ الوطيسُ يَلُوذُونَ به ويَحتَمُونَ بقُربِه.
قال العفو:
أنا أشهَدُ أن محمداً جَمَعَ سادَةَ قرَيشٍ بَعدَ فتحِ مكةَ، وهم الذين آذَوهُ وقاتَلوه علَى مدَى السنواتِ الماضيات،
فسألَهُم: يا معشرَ قريش، ما تظنُّونَ أني فاعلٌ بكم؟
قالوا: أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم،
قال: اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء.
قال الصبر:
أنا أشهدُ أن محمداً قد تعرّضَ للأذَى والشتائِمَ طيلةَ ثلاثٍ وعشرين سنةً قضاها في الدعوةِ لدِينِ الله،
ولم يُبدِ خلالَها كلمةَ تضَجُّرٍ واحدة، ولم ينتقِم لنفسِهِ أبداً من أحد،
أما تذكُرون ما كانت تصنَعُهُ زوجةُ عمِّهِ أبي لهب من وضعِ الشوكِ والقاذوراتِ في طريقِه، وهو صابرٌ متحمِّلٌ مُحتَسِبٌ.
قال الصِّدقُ:
أنا أشهدُ أن محمداً قد عاشَ ثلاثاً وستين سنةً لم يكذِبْ فيها أبداً، بل كان الصِّدقُ شعارُهُ حتى في أحلَكِ الظروفِ وأصعَبِها.
قالت الأمانة:
أنا أشهدُ أن محمداً كان أميناً في كل عُهودِهِ ومواثيقِه، وكان أمِيناً مع كل الناسِ في كل شيء،
والدليلُ أن كُفّارَ قريشٍ قبلَ وبعدَ بِعثَتِهِ كانوا يأتمِنونَهُ على أموالِهِم وحاجيّاتِهِم إذا أرادوا السفرَ خارجَ مكة.
قالت الرحمة:
أنا أشهدُ أن محمداً كان طيلةَ حياتِهِ يرحَمُ الصغيرَ والضَّعيفَ والمسكينَ، وكان يَعطِفُ على اليتيمِ والفقير،
أَما سمِعتُم لقولِ اللهِ تعالى في وصفِ رحمتِهِ ورقَّةِ قلبِهِ:
(ولَو كُنتَ فَضّاً غليظَ القلبِ لانفَضُّوا مِن حَوْلِك).
قال الخُلُق:
أنا أشهدُ أن محمداً كان سامِيَ الأخلاقِ مع جميعِ الناسِ باختِلافِ اعمارِهِم ومكاناتِهِم الاجتماعية،
أما سمعتُم لقولِ اللهِ تعالى في وصفِ خُلُقِهِ:
(وإنك لَعَلَى خُلُقٍ عظيم).
قالت العبادة:
أنا أشهدُ أن محمداً كان صوّاماً قوّاماً عابِداً لربِّهِ في كل أقوالِهِ وأفعالِهِ، رغمِ أنهُ رسولُ الله المغفورِ لهُ كل ذنوبِه،
حتى أنَّ أمَّ المؤمنين عائشةَ قالت لهُ يوماً فيما معناهُ:
أَلا ترتاحُ قليلاً يا رسولَ اللهِ من كثرةِ صلاتِكَ في الليل وقد غفرَ لكَ اللهُ ما تقدّمَ من ذنبِكَ وما تأخّر!
فقال لها المُصطَفى المختار: أفلا أكونُ عبداً شَكوراً.
قال الزُهد:
أنا أشهدُ أن محمداً عاشَ حياتَهُ زاهِداً في مَلَذّاتِها ونعيمِها،
فكان يَلبَسُ الثِّيابَ المُرقَّعَةَ، وينامُ علَى الحصيرِ، بل لم تَكُنِ تُوقَدُ النارُ في بيتِهِ أيّاماً كثيرة.
قال الحِلم:
أنا أشهدُ أن محمداً وقفَ يوماً بعدَ حُنَينٍ يُقَسِّمُ الغنائِمَ، فجاءهُ أعرابيٌّ وقال له:
أعطِني يا محمدُ من مالِ الله، ليسَ من مالِكَ ولا من مالِ أبيك!!!
فابتسمَ في وجهِهِ رسولُ اللهِ، وأَمرَ لهُ بالعطاءِ الكبير.
قال الكرم:
أنا أشهدُ أن محمداً أعطَى أبا سفيان مئةَ ناقةٍ من غنائمِ حُنَين،
فقال أبو سفيان: أعطِ ابنِي عِكرمةَ مِثلَها يا رسولَ الله، فأَمَرَ رسولُ اللهِ بِمِثلِها لعِكرمة.
يا الله! هل رأيتَ يا ياسر أنساناً في الوُجودِ كرسولِنا الكريم؟
ما أروعَكَ يا رسولَ الله، ما أعظمَكَ يا سيِّدَ الأوَّلين والآخِرين،
إنك وربِّ الكعبةِ مثالاً لكل معاني الإنسانية بحقٍّ،
إنك البَدرُ إذا صارَ في أوجِ اكتمالِه،
إنك القمرُ الذي ملأَ الدُّنيا بجمالِه،
إنك البحرُ الذي يفيضُ بالخيرات،
إنك النورُ الذي يقي من العثرات،
فلنقِفْ جميعاً يا أحِبتي دفاعاً عن هذا الرجُلِ الفريد، بكل ما أوتينا من قوة،
ولنذُد عنه بالكلمة، بالرسالة، بالمقال،
بالمادّةِ، بالمقاطعة، بالدعوة،
ولْنصرُخُ بأعلَى صوتِنا، إلاّ محمد، إلا محمد، إلا محمد،
صَلُّوا يا إخواني ويا أخواتِي علَى نبيِّنا الكريمِ مُحَّمِد:
عددَ قطراتِ المطر، عددَ أنفاسِ البشَر، عددَ أوراقِ الشجَر،
عددَ حبّاتِ الرِمال، عددَ ظُهورِ الهِلال، عددَ أحجارِ الجِبال،
عددّ ما غرَّدَ القُمرِي وصاح، عددَ ما بزغَ الفجرُ ولاح، عددَ ما قيلَ حيَّ عَلَى الفلاح،
عددَ ما في الكَونِ من ذرّات، عددَ ما في الأرضِ من مخلوقات، عددَ ما في الزّمانِ من لحظات،
عددَ ما صدَحَ الأذان، عددَ ما وُلِدَ من إنسان، عددَ ما مالَ من الأغصان،
عددَ ما نسنسَ النسيم، عددَ أنّاتِ اليتيم، عددَ ما مرَّ بنا من نعيم.

ولمن اراد الاطلاع على الموضوع بالتفاصيلة
ارجو الدخوووول على هذا الرابط
http://www.blindarab.net/vb/showthread.php?t=11709

كاتب الخاطرة:

الاستاذ الكبير _ جمال بن شحبل الظني
منقوووول

ميرسى على الموضوع الجميل