لم تحظ حكومة سابقة في تاريخ لبنان المعاصر بالعمر الطويل الذي حظيت به الحكومة الـ69 المشكّلة بعد انتخابات يوليو/تموز العامة في 2005، إثر اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان. كما لم تحظ حكومة أخرى بالاهتمام العالمي الذي حظيت به هذه الحكومة.
وشهدت فترة حكم الحكومة الحالية تداعيات سياسيّة كبيرة أدّت إلى خسارة نسبة عالية من أعضائها كادت تفقدها نصاب الثلثين القانوني، فقد تألّفت من 24 وزيرا بقي منهم 17 فقط.
وواجهت هذه الحكومة أحداثا أمنيّة منها اغتيال عدد من الشخصيات اللبنانية الهامة، وآخرها أحداث الأسبوع المنصرم. ورغم ضمورها بفقدان نحو ثلث أعضائها وغياب تكوينات وطنيّة هامة عنها، فإن الاهتمام الدولي بها بلغ ذروة لم تنلها حكومة أخرى في لبنان، وربما خارجه.
|
المعارضة اللبنانية انسحبت من شوارع بيروت بعد سيطرة الجيش عليها (الفرنسية-أرشيف)
|
بوش وفريقهوقيل إنّ الحكومة اللبنانيّة تبدو الشغل الشاغل لرئيس الولايات المتّحدة جورج بوش وفريق حكمه.
وبشأن هذا الموضوع قال أستاذ العلوم السياسيّة وليد بيطار للجزيرة نت إنّ "هذه الحكومة لا تستقيل بسبب الدعم الدولي لها, والرئيس الأميركي يتمسّك بها مثلما يتمسّك بحكومة العراق الحاليّة، رغم أن كلتا الحكومتين تكادان لا تحكمان".
ويرى خلدون الشريف عضو اللقاء الوطنيّ الذي يترأسه رئيس الحكومة السابق عمر كرامي أنّ "الحكومة باقية بسبب الدعم الأميركي غير المحدود لها". ونظرا لاستقالة ممثلي إحدى الطوائف الرئيسية منها، اعتبرت المعارضة اللبنانية الحكومة غير شرعيّة دستوريا.
وقال الشريف للجزيرة نت إنّ "الحكومة الحالية تقوم على ثقة الأكثرية النيابيّة، لكنّ لبنان لا يقوم إلا على أساس المشاركة، ولا يمكن الوصول إلى تسوية حتى لو غابت عن الحكم أصغر الطوائف كالطائفة الدرزية".
في حين يرى البيطار أنه يخشى أن تطيح انتخابات بهذه الأكثرية النيابية التي تدعم الحكومة بها نفسها "وهذا سبب آخر لاستئثار الحكومة الحاليّة بالسلطة رغم الخوف من أن تطيح الأزمة الحالية بلبنان ككيان".
ويعتقد الشريف أنّه "كان على هذه الحكومة أن تستقيل ديمقراطيا منذ اعتصام المعارضة في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2006". وتساءل "ألا يكفي اعتراض أكثر من نصف الشعب اللبناني عليها لكي تسقط".
وقال "لو استقالت في ذلك الحين لفتح باب التسوية، وتوفّرت سنتان على لبنان، إضافة إلى عشرات القتلى ومئات الجرحى، وكان يمكن الوصول إلى تسوية دون أن ندفع كلّ تلك الخسائر".
لكنّ نائب حزب القوات اللبنانية أنطون زهرا يرى أن السبب دستوري, وقال للجزيرة نت "إن سقوط الحكومة الحاليّة يعني الفراغ التام والشامل في لبنان".
وتساءل "لمن تقدّم الحكومة استقالتها، أين هو رئيس الجمهوريّة الذي يوقّع مراسيم قبول الاستقالة، وتعيين رئيس حكومة بديل، وتشكيل حكومة".
وللتيار السلفي رأي مغاير، فالشيخ عمر بكري يقول إنّ "الحكومة تمثّل فئة معيّنة، والمعارضة فئة أخرى، وهما تتصارعان. وهي لا تستقيل تحت ضغط الظروف لأن سقوطها انتصار للمعارضة، وكلاهما لا ينظر لمصلحة لبنان وأمنه ونعمة العيش المشترك فيه".
وقال إن "الحكومة مدعومة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وكذلك المعارضة عندها دعم خارجي من إيران وسوريا وغيرها والقرار في لبنان يتأثّر بقوّة في الوضع الداخلي".
|
قوات المعارضة أوقفت مظاهر التسلح (أرشيف)
|
هل تسقط الحكومةوفي ظلّ التجاذب على وضعها، تتباين الرؤى حول احتمال رحيلها.
بيطار يقول إنه "إذا لم نصل إلى حل قريب، فستتحوّل الحلول لاحقا إلى حلول في الجغرافيا، أي تفكيك الكيان وشرذمته، واحتمال قيام كانتونات تطيح بوحدة الدولة".
ومن جانبه استبعد زهرا استقالة الحكومة تماما، وقال "ننتظر الوفد العربي لمعرفة ما إذا كان حزب الله سيصرّ على فرض رؤيته السياسية، وسيتبيّن إن كانت العمليّة محدودة، أم هي بصدد الانقلاب على الطائف".
لكنّ الشريف يعتبر الحكومة بحكم الساقطة "إنّها ساقطة في وقت قريب جدا، وبقاؤها هو من أجل إنضاج التسوية".
أما بكري فيدعو المعارضة والحكومة للتفاوض برعاية طرف محليّ محايد لإيجاد حل للبنان، وإلاّ "فسيتحوّل إلى ساحة نشاط للقاعدة بحسب ما ظهر من قادتها مؤخرا".